عمران نت/25 اغسطس 2017م
تشهد العلاقات السعودية الايرانية تحسنا مضطردا بسبب ادراك المسؤولين في البلدين بأن التصعيد والحملات الاعلامية المتبادلة، وقطع كل انواع الحوار، تعطي نتائج عكسية مكلفة.
اعلان السيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الايراني، موافقة الدولتين على تبادل زيارات الدبلوماسيين، لتفقد السفارات المغلقة، ومنح تأشيرات دخول للقيام بهذه المهمة، يمكن ان تكون بداية لتطبيع العلاقات، وتخفيف حدة التوتر بالتالي، تمهيدا لاعادة فتح السفارات المغلقة منذ ازمة اقتحام السفارة السعودية عام 2016.
القيادة السعودية التي لجأت الى التصعيد ضد ايران، واكدت في اكثر من مناسبة انها لن تعيد العلاقات معها، لانها محكومة من قبل نظام الولي الفقيه، وتؤمن بعودة المهدي المنتظر، كانت الاكثر مبادرة في تخفيف حدة التوتر، عندما ابدت مرونة غير مسبوقة في المفاوضات المتعلقة بعودة الحجاج الايرانيين لاداء مناسكهم، وانهاء المقاطعة، واسقطت العديد من شروطها في هذا الصدد، مثل ضرورة حصولهم على تأشيرات الحج من سفاراتها في دول ثالثة، واستخدام شركات طيران غير الشركة الايرانية، ومنحت تأشيرات دخول لحوالي عشرة دبلوماسيين ايرانيين للاشراف والسهر على رعاية هؤلاء، وتذليل اي عقبات تقف في طريق اداء فروضهم.
هذه المرونة تتناقض كليا مع التصريحات التي ادلى بها الامير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي في حواره مع الزميل داوود الشريان في 3 ايار (مايو) الماضي، الذي اتهم فيه ايران بمحاولة احتلال المناطق المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهدد بالقيام بضربة استباقية تنقل الحرب الى العمق الايراني، ملمحا الى احتمال “نثوير” الاقليات العربية والاذرية والبلوشية ضد النظام الايراني.
**
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بأسباب هذا الانقلاب التدريجي في الموقف السعودي تجاه ايران، وميل القيادة السعودية الى الانفتاح بشكل متسارع على “خصمها” الايراني؟
للاجابة على هذا السؤال لا بد من التوقف عند عدة تطورات رئيسية نوجزها في النقاط التالية:
-
اولا: فشل المشروع الامريكي الذي كانت المملكة العربية السعودية لاعبا رئيسيا فيه، اي اسقاط النظام في سورية، فبعد سبع سنوات من الحرب تقريبا، ادركت القيادة السعودية ان الرئيس السوري بشار الاسد بدعم من روسيا وايران وحزب الله، باق في السلطة، وابلغت حلفاءها في المعارضة السورية بهذه القناعة الجديدة.
-
ثانيا: مرور عامين ونصف العام على انطلاق “عاصفة الحزم” فياليمن، وعدم تمكن هذه العاصفة من انجاز الهدف التي انطلقت من اجله، وهو هزيمة التحالف “الحوثي الصالحي”، واعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الى صنعاء.
-
ثالثا: تراجع الامكانيات المالية السعودية الضخمة التي كانت تشكل اقوى الاسلحة السعودية بسبب تراجع اسعار النفط، وارتفاع تكاليف الحروب بالنيابة التي تخوضها في سورية واليمن التي استنزفت احتياطاتها.
-
رابعا: صدور قانون معاقبة الدول الراعية للارهاب الامريكي “جستا”، والسماح لاهالي الضحايا برفع قضايا امام المحاكم الامريكية طلبا للتعويضات، وهناك 25 دعوى قضائية مرفوعة حاليا ضد المملكة العربية السعودية، ويمكن ان تصل التعويضات الى اكثر من خمسة تريليون دولار.
-
خامسا: اعطاء القيادة السعودية الاولوية المطلقة للحرب السياسية والاقتصادية التي تخوضها حاليا ضد دولة قطر، وبذلها جهودا لتحييد ايران في هذا الصراع، وابعادها عن الدوحة مهما كلف الامر.
-
سادسا: “البراغماتية” الايرانية، والنفس الايراني الطويل، وترجمة هذه البراغماتية الى مرونة سياسية تجاه السعودية، وترحيب طهران بأي خطوة ايرانية نحو الحوار وتطبيع العلاقات.
***
الانفتاح السعودي على القيادات الشيعية العراقية الذي كان خطا احمر لاكثر من عشرين عاما، والاستقبال الحار للسيد مقتدى الصدر في الرياض، وقبله السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء، كان الطريق الاقصر والاسرع نحو التطبيع مع ايران، واعلان السيد قاسم الاعرجي ، وزير الداخلية العراقي، والمقرب من الحشد الشعبي وايران معا، عن طلب السعودية وساطة حكومته لتحسين العلاقات مع ايران، لم يكن مفاجئا، ولكن المفاجيء تمثل في نفي مسؤولين سعوديين هذا الطلب الذي اظهر بلادهم في مظهر من يسعى بكل طريقة الى الوساطة في هذا الاطار للتهدئة، وفتح حوار مع الخصم الاقليمي الاخطر والاهم، اي ايران.
هل نحن امام بداية النهاية للحرب بالانابة التي تخوضها الدولتان ضد بعضهما البعض في المنطقة، ام انها مجرد هدنة مؤقتة ريثما يلتقط الطرفان، والسعودي على وجه الخصوص، الانفاس؟
من الصعب علينا اعطاء اجابة حاسمة في هذا الصدد، فالامور في بداياتها، ولكن ما يمكن وقوله، ان مفردات مثل “المجوس″ و”الرافضة” و”عبدة النار” ستختفي من قاموس الشتائم، والحرب الاعلامية بين البلدين في المرحلة القادمة، ولا نستبعد ان يحل الرئيس الايراني حسن روحاني ضيفا على القيادة السعودية في الاشهر القليلة المقبلة، وبعد اكتمال عملية التطبيع الدبلوماسي، وفتح السفارتين الايرانية في الرياض، والسعودية في طهران.
هل نحن نغرق في التفاؤل وبطريقة مبالغ فيها في هذا الملف؟ لا نعتقد ذلك، فمثل هذه المقدمات تؤدي الى هذه النتائج، والايام بيننا.
عبد الباري عطوان