التجربة البالستية لكوريا الشمالية: الأبعاد والنتائج
عمران نت – متابعات
أتت التجربة الكورية الشمالية الناجحة البارحة لتؤكد قرار المواجهة من قبل بيونغ يانغ حتى النهاية، حيث كانت بيونغ يانغ قد اتبعت استراتيجية “خطوة إلى الأمام” في وجه الأمريكيين ولم تتراجع قيد أنملة عن تجاربها بل زادت في وتيرة التجارب ومستواها خلال الأشهر الماضية أي في خضم الأزمة.
التجربة حملت رسائل كثيرة وفي مختلف الاتجاهات، أحدها اليابان حيث أن الصاروخ البالستي سقط في المنطقة الاقتصادية لليابان كما أكدت كافة الأطراف.
هذا وتزامنت التجربة التي جرت بقرار وحضور مباشر للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون مع ذكرى استقلال أمريكا، في رسالة أكد محللون أنها ليست صدفة بل كانت مقصودة من قبل جونغ اون يريد أن يؤكد من خلالها أن هدفنا هو أمريكا التي توعدها بوقت سابق بهجوم نووي ساحق.
أيضا أتت هذه التجربة بعد يوم واحد من اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني من جهة ورئيس وزراء اليابان من جهة أخرى بهدف التباحث بالأزمة الكورية الشمالية ومحاولة بحث السبل الممكنة للخروج من المخمصة الأمريكية هناك.
أما عن ردة الفعل الأمريكية فيمكن وصفها بالمتواضعة، فبعد مرحلة من التصعيد الكبير في الموقف أمريكيا وعلى كافة المستويات كان تعليق ترامب عبر التويتر أن اليابان والصين لن يرضوا بما يفعله المراهق الكوري الشمالي، وسيصل اليوم الذي تتخذ فيه الصين الخطوات اللازمة لحل هذه الأزمة إلى ما لا نهاية. هذا وفي وقت سابق كان ترامب قد توعد بيونغ يانغ باستجرار أسطول مدمر للتدخل وحل المسألة بعد نفاذ ما سماه بالصبر الاستراتيجي.
وزير الخارجية الأمريكي بدوره وتعليقا على التجربة اعتبر أن هذه الأزمة بحاجة لقرار مواجهة دولي، معلنا أن الأمريكيين يفتشون عن حل سلمي فقط لهذه المعضلة. هذا الحديث يؤكد التراجع الواضح والصريح عن التهديد العسكري على الرغم أن مسؤولين كبار في البيت الأبيض والبنتاغون كانوا قد أكدوا سابقا على خيار التدخل العسكري لحماية مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة.
وعلى صعيد آخر متصل أصدرت خارجيتي كل من الصين وروسيا بيانا مشتركا خلال زيارة الرئيس الصيني لموسكو يقترحان فيه على كوريا الشمالية إيقاف التجارب النووية وتجارب الصواريخ البالستية، على أن تمتنع أمريكا وكوريا الجنوبية عن تنفيذ مناورات عسكرية ضخمة مستفزة لبيونغ يانغ.
كما أكد البيان على رفض تعزيز وجود قوات عسكرية أجنبية في المنطقة بحجة مواجهة التهديدات الكورية الشمالية، مؤكدين على ضرورة عدم تضرر أي طرف ثالث بسبب التحالف بين دول بعينها في إشارة إلى الحلف الأمريكي الكوري الجنوبي.
إذا تجربة صاروخية تتزامن مع أحداث لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، تجربة أرادت منها بيونغ يانغ أن تزيد في ورطة الأمريكيين الذين باتوا وكما عبرت صحيفة “اتلنتيك” الأمريكية أمام خيارات أربع، الأول هو هجوم ساحق يدمر البنى التحتية العسكرية لبيونغ يانغ ويجعلها عاجزة عن مهاجمة أحد. الثاني هجوم محدود متزامن مع ضغوطات اقتصادية وسياسية بهدف تنبيه بيونغ يانغ، الثالث استهداف واغتيال الزعيم الكوري الشمالي ومساعديه المقربين، والرابع هو تقبل كوريا الشمالية نووية والسعي لإدارة العلاقة معها بأقل أضرار ممكنة.
كلها خيارات لها مخاطرها ومشاكلها، يبقى الخيار الأخير حسب الصحيفة هو الأفضل، أي أن تتقبل واشنطن فكرة بيونغ يانغ نووية وتتعامل معها على هذا الأساس.
نعم وبعد أشهر من التوتر والتصعيد الأمريكي يبدو أن الصبر الاستراتيجي لدونالد ترامب وإدارته سيستمر، فالرسائل الكورية الشمالية كانت واضحة وحازمة ولا لبس فيها، وكذلك بيان الخارجيتين الروسية والصينية يؤكد أن الأخيرتين ليستا بوارد ضبط سياسات بيونغ يانغ إلا بعد تحصيل مكاسب سياسية وعسكرية لها من خلال إعادة التوازن العسكري في المنطقة وسحب الأمريكيين جنودهم من هناك وإنهاء المناورات العسكرية الكبيرة بين البلدين.
ختاما يبدو أن الأمريكيين قد أدخلوا أنفسهم في مخمصة لم يكونوا بحاجتها، فبدل أن يحلوا مشكلة كوريا الشمالية تحولت الأخيرة إلى واقع لا مفر منه بالنسبة لهم. كان من الحري على الأمريكيين عدم التصعيد بهذا الشكل الجنوني خلال الأشهر الماضية وعدم الدفع باتجاه حرب هم أضعف من الخوض بها، اليوم الأمريكيين باتوا أضعف اتجاه كوريا الشمالية وبيونغ يانغ تحولت إلى قوة نووية باعتراف الأمريكيين أنفسهم.