نص محاضرة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بعنوان “لعلكم تتقون” – رمضان 1438هـ 28-05-2017
عمران نت :
محاضرة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بعنوان “لعلكم تتقون” – رمضان 1438هـ 28-05-2017
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومبارك لكم حلول هذا الشهر الكريم، شهر رمضان شهر العفو والرحمة والمغفرة والخير والبركات، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر فيه لنا ولكم وأن يرحمنا ويرحمكم وأن يوفقنا ويوفقكم وأن يكتب لنا ولكم ولكل أمتنا كل الخير والبركة والرحمة والمغفرة.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
مما لا شك فيه ومما هو معروف بشكل عام لدى المسلمين جميعا أن صيام شهر رمضان المبارك هو فرض من أهم فروض الله سبحانه وتعالى وهو ركن من أركان الإسلام له كل هذه الأهمية في الشرع الإسلامي وفي الدين الإسلامي، ولذلك حينما يأتي هذا الشهر المبارك يستعد المسلمون لصيامه في كل أنحاء المعمورة ويحرص كل إنسان مسلم متزن على أن يؤدي هذه الفريضة بكل اهتمام وبكل جد، وأيضا مما لا شك فيه لدى المسلمين جميعا هو فضل هذه الفريضة وأهميتها وإيجابيتها الكبيرة على نفسية الإنسان المسلم وفي حياته وفي القربة من الله سبحانه وتعالى وفيما يُرجى من فضل الله ومن رحمته ومن بركاته بمناسبة هذه الفريضة، وتختلف النظرة إلى هذه الفريضة وإلى هذا الركن المهم من أركان الإسلام وفي طبيعتها وفي مستوى الاستفادة منها، فالكثير مثلاً يتجه في نظرته وفي ما يراه بخصوص هذا الفرض العظيم أنه مصدر أجر ومصدر فضل ومصدر قربة إلى الله سبحانه وتعالى يجزي الله عليه جزاء الحسن، خير الجزاء من ثواب العظيم في الدنيا والآخرة وبالذات في الآخرة، ثم مع الاستمرار والاعتياد في واقع المسلمين أصبحت النظرة إلى هذه الفريضة لدى البعض نظرة روتينية واعتيادية وممارسة اعتيادية يأتي شهر رمضان يتعود الإنسان المسلم ومنذ نشأته منذ طفولته على صيام هذا الشهر فتصبح حالة روتينية اعتيادية ثم تدخل فيها الكثير من العادات والتقاليد التي تتفاوت أحيانا من بلد إلى بلد ومن قُطر إلى قُطر ومن منطقة إلى منطقة، البعض مثلاً مع هذه الحالة الروتينية والاعتيادية لديهم قد يكون اهتمامهم بشكل أكبر وعلى نحو أهم لديهم هو التركيز فيما يتعلق بهذا الشهر الكريم، على طبيعة السهرات والحفلات والأكلات وغير ذلك، البعض مثلا قد يصب اهتمامه نحو الوجبات التي يفترض التركيز عليها بعد يوم طويل من الصيام وبعد الجوع والظمأ، البعض قد يتجه على الكيفية التي يمضون بها ليالي هذا الشهر وهكذا، البعض قد يكون لديهم التركيز على اغتنام فرصة هذا الشهر في تلاوة القرآن والإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى بغية الحصول على الأجر الكثير والاكتساب للحسنات التي هي مضاعفة في هذا الشهر الكريم أضعافا كثيرة.
نحن نقول أنه وللأسف يغيب إلى حد كبير وفي أوساط الساحة الإسلامية، وفي واقع المسلمين الوعي اللازم تجاه هذا الفرض العظيم وهذا الركن المهم من أركان الإسلام ومستوى الاستفادة من صيام شهر رمضان على المستوى التربوي وعلى المستوى العملي، وبالتالي فيما لذلك من تأثير في واقع الحياة هو مستوى ضعيف إلى حد ما لدى الكثير من الناس، حينما نعود إلى الآية المباركة التي ابتدأنا بها كلامنا وهي قول الله سبحانه وتعالى مخاطباً لنا كمنتسبين إلى هذا الدين الإسلامي: (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، نجد أن الله سبحانه وتعالى أولا وهو يخاطبنا بحكم انتمائنا الإيماني معتبرا أن هذا الانتماء الإيماني هو التزام للاستجابة، التزام بالطاعة التزام عملي ثم الله سبحانه وتعالى يقدم هذه الفريضة كفريضة مشروعة ولازمة فرضها الله فرضا وليست طوعية أو مستحبة، لا، كُتب إلزامية، تعتبر فريضة إلزامية إلا حسب الاستثناءات التي وردت في الآيات القرآنية فيما يتعلق بالمريض فيما يتعلق بمن لا يستطيع الصيام إلا بعذر شرعي فهناك أحكام ذكرت في الآيات القرآنية، ولكن هو هنا يؤكد أنها فريضة إلزامية، كُتب عليكم الصيام، وفريضة مهمة شرعها الله سبحانه وتعالى في شرائعه السابقة مع أنبيائه السابقين، فلذلك قال: (كما كتب على الذين من قبلكم)، وله هدف مهم من أهم الأهداف، وله تأثيره الكبير في حياة الإنسان لعلكم تتقون، وللأسف فهذا هو ما يغيب إلى حد كبير في أوساط المسلمين، لعلكم تتقون بالإمكان أن يكون لصيام شهر رمضان أثر كبير جدا في حل كثير من مشكلات المسلمين وفي إصلاح كثير من واقعهم وأن يكون لهذه الفريضة المهمة عائد تربوي وأخلاقي وبالتالي تأثير في استقرار حياة المسلمين وحل الكثير من مشاكلهم لو استفاد منها المسلمون كما ينبغي، لو نتجه في تعاملنا مع هذه الفريضة من نفس الهدف الرئيسي منها والأولي منها وهو لعلكم تتقون، ودخل الإنسان في شهر رمضان بهذا الاهتمام بهذا التوجه بهذا الوعي، لكان لهذا أثر كبير جدا في نفسه ووعيه وتصرفاته وبالتالي في واقع حياته، على المستوى الفردي ثم في واقعنا بشكل عام على المستوى الجماعي كمجتمعات إسلامية.
هنا نتحدث عن التقوى باعتبارها غاية أساسية لشهر رمضان ومن جوانب متعددة بدءا بأهمية التقوى حينما يقول الله سبحانه وتعالى لعلكم تتقون، هذا الظمأ وهذا الجوع وهذه المتاعب التي تكون عادة أثناء الصيام وتتفاوت من بلد إلى بلد وحتى على المستوى الفردي تتفاوت لها ثمرة مهمة إذا كانت عن وعي، هي التقوى وما أحوجنا إلى التقوى وما أعظم التقوى وأهمها في واقع الإنسان وفي حاضره وفي مستقبله في الدنيا والآخرة، حديث القرآن الكريم عن التقوى حديثٌ واسع، وحديثٌ عظيم وحديث مهم، ونحتاج غلى أن نتفهم هذا الحديث في مجالاته المتنوعه وفي فوائدة المتنوعه ، حينما نأتي إلى تقوى الله سبحانه وتعالى، فإننا نجد أهميتها على كل مجالٍ من مجالات حياة الإنسان وفي الدنيا والآخرة، ولذلك نحن نرغب أن نتحدث حتى عن أهميتها قبل الحديث حتى عن تعريفها حتى حينما نصل إلى الحديث عن تعريف التقوى وامتداداتها في مجالات الحياة وفي نطاق المسؤولية ندخل إلى ذلك من واقع الوعي بأهميتها فنركز ونتفاعل.
الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ذكر النتائج العظيمة والمتنوعة للتقوى وعلى المستوى الفردي وكذلك على المستوى الجماعي، قال الله جل شأنه في كتابه الكريم (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) تقوى الله هي وسيلة خير وسبب رعاية ورحمة من الله سبحانه وتعالى، أنت أيها المسلم حينما تتقي الله فإن الله يوليك من رعايته ويشملك من ألطافه ورحمته ما يجعلك محط لطفه الكبير إلى هذه الدرجة، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}. ما أكثر ما يواجه الإنسان في هذه الحياة من صعوبات ومشاكل وتحديات وأخطار وما أكثر ما يعاني وما أكثر ما يشعر بحاجته إلى رعاية الله وإلى لطف الله، أمام كل ضيق وأمام كل صعوبة وأمام كل معاناة، الله سبحانه وتعالى ومن خلال التقوى يوليك هذه الرعاية (ومن يتق الله يجعل مخرجا) مخرجاً من كل ضيق مخرجاً من كل كرب، مخرجاً من كل هم ومن كل غم ومن كل بلاء ومن كل محنة، من كل ما ترى نفسك فيه في أمس الحاجة إلى الله ليخرجك مما أنت فيه من ضيق حال ومن كربٍ ومن هم، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} والإنسان يشعر على الدوام بحاجته إلى الله في أن يرزقه يحتاج إلى هذا، كم الحالة التي يعاني فيها الكثير الكثير من مضائق الحياة وصعوباتها فيما يتعلق بالرزق والمعاناة الكبيرة في هذا الجانب { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} من حيث لا تتوقع من حيث لم يكن ضمن حساباتك وتقديراتك أنه سيأتيك الرزق فيرزقك الله سبحانه وتعالى، فإذاً التقوى لها علاقة بجانبين مهمين لكل إنسان، الرزق مسألة مهمة لدى كل إنسان وبالذات حينما يكون الإنسان متحمل مسؤولية تجاه أسرته مثلاً فيسعى ويكد ويتعب ويعمل على أن يوفر لهم احتياجاتهم في هذه الحياة، والهم في مسألة الرزق هو هم واسع بل يكاد يكون في مقدمة الهموم لدى أغلب البشر لدى أغلب الناس، تجد الكثير من الناس يحملون هذا الهم كيف يوفر الاحتياجات والمتطلبات الضرورية لنفسه ولأسرته ولمن عليه حمل مسؤوليتهم أو تحمل مسؤوليتهم في هذه الحياه، فالتقوى وسيلة للرزق وليُسْر الرزق وأيضاً في مواجهة الصعوبات والكُرَب والمشاق والمضائق في هذه الحياة، فكم يدخل الإنسان في واقع حياته وفي مسيرة حياته في مضائق كثيرة ومخاطر كثيرة، البعض منها قد تشكل خطورة على حياته، البعض منها قد تشكل خطورة على أمنه واستقراره على استقراره النفسي أو استقراره الحياتي البعض منها قد يكون لها أخطارها على مستوى واقعه الشخصي والأسري أو ما هو أشمل من ذلك أمام كل المضائق أمام كل التحديات أمام كل الأخطار، تقوى الله هي سبب خيرٍ لأن يتولى الله سبحانه وتعالى – وهو القدير وهو الرحيم وهو الكريم وهو الخبير وهو العظيم – رعايتَك فيستنقذك ويخرجك، قد لا يتمكن الآخرون أن يفعلوا لك شيئاً في كثير من الأمور وقد تجد الكثير لا يبالون بك حتى ولكن هذا سبب خيرٍ ورحمة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} كذلك الإنسان في واقع هذه الحياة وفي رحلة هذه الحياة يواجه الكثير من الصعوبات التي يمكن أن نطلق عليها العسر تتعسر عليه الكثير من الأمور، أمور المعيشة تتعسر عليه أمور المسؤولية، تتعسر عليه مشاكل كثيرة تجدها مشاكل متعثرة، فيواجه الصعوبة في معالجتها وفي تفكيكها وفي تجاوزها وفي معالجتها، ويحمل لذلك الكثير من الهم النفسي والمعنوي وأحياناً حتى الجسدي إلى غير ذلك، الله سبحانه وتعالى حينما يُيسر لك أمرك، أي أمر في أي شأن من شؤون حياتك المتعلقة بواقع الحياة في أي مجال من مجالاتها في المسؤولية أو غيرها حينما يُيسر الأمور تتيسر وتخرج من حالة التعقيدات والصعوبات والعسر والإنسان يكون دائماً توّاقاً كيف تتيسر أموره وحينما تتعثر يضيق به الحال وتضيق نفسه بذلك، فيبتغى اليسر ويتمنى كيف لو يتيسر لي هذا الأمر أو هذا المسعى أو هذا العمل أو هذا الأمر، أي أمر مسألة أمر مسألة شاملة لكل نطاق حياة الإنسان ومجالات حياة الإنسان {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} يشملك الله سبحانه وتعالى برعايته وألطافه فيفك عنك التعقيدات الكثيرة ويُيسر لك أمورك، يعطيك الطاقة المعنوية والنفسية ثم في الواقع نفسه يُهيئ لك الكثير من الأسباب التي تفك التعقيدات التي كانت تصعب عليك الأمور، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} هذا جانب مهم لدى كل إنسان مؤمن، أخطر شيء على الإنسان هي السيئات في آثارها على المستوى النفسي وفي أثرها على مستوى الحياة كل شؤون الحياة وفي خطورتها على علاقتك بالله سبحانه وتعالى وفي خطورتها عليك في مستقبل الآخرة، السيئات هذه السيئات في كل ما تتركه من أثرٍ سيئ على النفسية وعلى الواقع واقع الحياة وعلى المستقبل وعلى أثرها السيئ في العلاقة ما بينك وبين الله سبحانه وتعالى، تقوى الله سببٌ لتكفيرها وإذهاب تأثيرها لأن من التكفير الإذهاب بتأثيراتها لأن كل عملٍ سيئ كل سيئة لها أثر سيئ ولها نتيجة سيئة، أثر سيئ على المستوى النفسي والمعنوي حتى على الشعور والوجدان، ثم أثر سيئ في الحياة وفي الواقع، في واقع الحياة وفي الواقع العملي أيضاً، فالتكفير فيه إذهاب لآثارها السيئة وتغطية لآثارها السيئة على الإنسان وعلى نفسيته وعلى واقعه، ويُعظم له أجرا يكتب الله لك على التقوى بما فيها من التزام وبما فيها من استقامة وبما فيها من أعمال وفيما من انضباط عملي، الأجر العظيم والمردود الكبير وبالتالي في الدنيا فيما يتحقق لك من الله سبحانه وتعالى وفي الآخرة أيضاً يقول الله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا) يتحدث على نحوٍ جماعي حتى في الحديث على المستوى الفردي ثم على المستوى الجماعي فيما يفيدك ويفيد الآخرين بشكلٍ عام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
إن تتقوا الله كمؤمنين وعلى نحو جماعي وعام وينالك كفرد ولكن أيضا ضمن الواقع العام لأهمية هذا على المستوى العام “إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا” تكونون أمة مستنيرة واعية فاهمة متنورة بنور الله تفرق بين الأمور تفرق ما بين الحق والباطل مابين الخطأ والصواب لا تلتبس عليها الأمور لا تكون أمة عمياء تلتبس عليها الأمور وتختلط عليها الأمور وقابلة للانخداع والتضليل والانحراف بكل بساطة، لا، أمة مستنيرة واعية فاهمة متزنة حكيمة ليست أمة تعيش حالة الالتباس والاختلاط في كل أمورها والغباء والضلال والضياع، لا، أمة تملك النور والوعي والبصيرة وتملك الفهم الصحيح تجاه مختلف القضايا، وبالتالي تتجه في مجال حياتها الاتجاه الصحيح السليم من كل حالات الالتباس والخطأ وهذا من أهم ما تحتاج إليه الأمة لكي تستقيم لكي تتجه الاتجاه الصحيح في قراراتها وفي مواقفها وفي تصرفاتها وفي أعمالها وفي تحملها للمسؤولية، أيضا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين، وهذا من أهم المكاسب العظيمة للتقوى أن الله مع المتقين، وما أحوجنا أن نكون من المتقين ليكون الله معنا ليكون معنا بلطفه معنا بتوفيقه معنا برحمته معنا بعونه معنا بنصره، وهكذا في كل ما نحتاج فيه إلى الله في كل شيء نحتاج إلى الله في كل خير نبتغيه ونرجوه، نحتاج إلى الله في دفع كل شر وسوء ومحذور، نحتاج إلى الله في كل ذلك، فحتى لا نكون في هذه الحياة بعيدين عن الله وحتى لا نكون في هذه الحياة مخذولين ومتروكين من لطف الله ومن رعايته، متروكين لما في هذه الحياة من شرور وما في هذه الحياة من أخطار ومافي هذه الحياة من تحديات وما في هذه الحياة من مصائب إلى آخره، حتى يكون الله معنا وحين يكون معنا ففي هذا الخير كله كل الخير كل الظفر كل السعادة كل الفوز كل الفلاح كل السلام كل الأمن، فالله معنا بقدر ما نكون متقين، حينما تتحقق التقوى في أنفسنا وفي واقعنا وفي أعمالنا وفي تصرفاتنا وفي مسار حياتنا يكون الله معنا إلى جانبنا على الدوام، يرعانا ويلطف بنا ويتولى هو دائما رعايتنا وإعانتنا والرحمة بنا “واعلموا أن الله مع المتقين”، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أيضا “إن الله مع الذين اتقوا” معهم فلذلك في واقع المسؤولية فيما قد يلزم من واقع التقوى أن نتحمله من مسؤوليات قد يتردد البعض في تحملها أو يرى فيها أنها تشكل خطورة مثل مسؤولية الجهاد في سبيل الله والتصدي لقُوى الطاغوت والقُوى الظلامية والمتجبرة، قد يرى البعض في مسؤولية كهذه أنها تشكل خطورة على العكس القيام بها والتحمل لها استجابة لله سبحانه وتعالى سبب خير وسبب لأن يكون الله معنا “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون”، أيضا الأهمية القصوى للتقوى في الفوز بمرضاة الله سبحانه وتعالى والنجاة من عذاب الله في الآخرة، لأن للتقوى مكاسبها العاجلة في عالم الدنيا وفي الحياة هذه، ومكاسبها الكبرى والمهمة لمستقبل الآخرة يقول الله سبحانه وتعالى: (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) متى هذا أيضًا؟ يوم القيامة في الدنيا رعاية شاملة ومستمرة ومنجاة أمام المخاطر أمام التحديات، وفي الآخرة أيضاً ما ينبغي أن نحسب له حسابا وأهمية فوق كل الاعتبارات والحسابات وفوق كل أهمية، مستقبلنا في الآخرة النجاة من عذاب الله، النجاة من الفزع الأكبر، النجاة من النار من جهنم، والعياذ بالله من الحساب العسير، وينجي الله الذين اتقوا، حصريًا هذا، الذين اتقوا هم الناجون يوم يهلك أغلبية البشر وهلاكًا خطيرًا، هلاكًا في جهنم بالعذاب أعوذ بالله، بمفازتهم فازوا فوزًا عظيمًا لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون، ما يمسهم أي سوء ولا أي عذاب ولا هم يحزنون فهم آنذاك بمفازتهم بالتقوى مرتاحون على المستوى النفسي، لا حزن ولا ألم ولا غم ولا هم ولا كرب، فيما الآخرون غارقون في أحزانهم الكبيرة وقد رأوا أنفسهم في اتجاه الهلاك الفظيع والكبير والخطير في أشد عذاب وللأبد والعياذ بالله، أما الذين اتقوا فقد تحقق لهم الفوز فكانوا هم السعداء، المرتاحون نفسيًا، السالمون آنذاك من كل حزن ومن كل هم ومن كل غم ومن كل كرب، والسالمون من كل عذاب.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى، مرضاة الله وجنته الوعد بها في الآخرة فقط وبتأكيد في كثير من آيات الله في كتابه الكريم للمتقين لأنه في هذه الآية يقول أعدت للمتقين.
الجنة بكل ما فيها من النعيم العظيم الذي تحدث عنه القرآن الكريم حديثا واسعا في كل ما يشكل رغبة وحاجة لهذا الإنسان من طعامها ومن شرابها ومن مساكنها ومن الحور العين فيها ومما فيها من سلام وأمن واطمئنان وسعادة واستقرار إلى آخر ما وصف الله به جنته وما فيها من النعيم الواسع العظيم الراقي هذا كله لصالح من؟ ووعد به من؟ المتقون أعدت للمتقين يقول في آية أخرى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)، يوم القيامة الذي بإمكانه أن يكون من أهل الجنة أن يفوز بما وعد الله به بنعيم الجنة من النعيم العظيم، المتقون، لا نجاة لك إلا بالتقوى لا فوز لك إلا بالتقوى لا يمكنك أن تصل إلى ذلك النعيم الأبدي والعظيم والواسع إلا بالتقوى، فللتقوى كل هذه الأهمية، وكل هذه الأهمية يترتب عليها الخير كله والسعادة كلها والفوز الحقيقي كله، النجاة من عذاب الله، النجاة من الخزي، النجاة من الهوان في الدنيا والآخرة، الرعاية الواسعة من الله سبحانه وتعالى كل هذا مرتبط بالتقوى فلها كل هذه الأهمية وهل هناك أهمية أكثر من هذه الأهمية؟ لا، أيضا حينما نأتي إلى التقوى في الأمر الإلهي بها نجد أن الله سبحانه وتعالى توجه بالأمر بالتقوى إلى كل عباده، إلى الناس عموما، البشرية بكلها، يخاطبها الله سبحانه وتعالى فيقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم) فتوجه بالأمر إلى كل البشر إلى كل من هو في موقع المسؤولية من كل عباد الله، (يا أيها الناس اتقوا ربكم)، أيضا في حركة الأنبياء عليهم السلام مع قومهم في كل مراحل التاريخ كانوا يدعونهم إلى التقوى ويأمرونهم بالتقوى ويحثونهم بالتقوى، ولذلك تحدث الله سبحانه وتعالى عن سلسلة من أنبيائه ورسله وهم يتخاطبون مع قومهم فيقولون لهم، يأتي النبي إلى قومه فيقول: (فاتقوا الله وأطيعون)، فاتقوا الله، فاتقوا الله، فاتقوا الله، بل يأتي الأمر في القرآن الكريم بالتقوى حتى إلى الأنبياء أنفسهم ويخاطب حتى نبيه محمد صلوات الله عليه وعلى آله: (يا أيها النبي اتق الله)، يأتي أيضا الخطاب للمؤمنين كمؤمنين بالتقوى يقول الله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، يأتي الأمر بالتقوى مع كل توجيه إلهي مهم، كثيرمن التوجيهات المهمة جدا في القرآن الكريم يترافق مع الأمر بها الأمر بالتقوى معها كما في قوله تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)، هنا أمر بالتقوى في أن نصلح ذات بيننا، ثم تجد هذا متكررا كثيرا في القرآن الكريم، أيضا في المناهي، فيما ينهانا الله عنه يترافق معه كذلك الأمر بالتقوى، فالتقوى في مستوى أهميتها والأمر بها والخطاب بها للبشرية في كل عصر في كل جيل في كل زمن في كل مراحل التاريخ، كل هذا يدل على أهميتها الكبيرة.
إذا جئنا إلى واقعنا كمسلمين مأمورين بالتقوى وأن نتقي الله سبحانه وتعالى وأن يعي كل منا أنه مأمور بتقوى الله سبحانه وتعالى وألا يأنف من ذلك والعياذ بالله ألا يكون الإنسان كمثل من حكى الله عنهم: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم)، ينزعج من أن يأمر بالتقوى، من أن ينصح بالتقوى، وأن يقال له اتق الله، أن يقال له اتق الله ينزعج جدا ويغضب، لا، الله يأمر حتى أنبياءه، ما هناك أحد فوق أن يُأمر بتقوى الله سبحانه وتعالى، الجميع مأمور بتقوى الله ومنصوح بتقوى الله، نحن المسلمون في أمس الحاجة إلى التقوى، التقوى هي حالة من الحذر واليقظة والانضباط والالتزام بالعمل تجاه أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه، التقوى هي من الوقاية، هي مشتقة من الوقاية تشكل حالة من الحذر واليقظة والانضباط تشكل وقاية للإنسان من نتائج العصيان، الإنسان في هذه الحياة هو مسؤول ومرتهن بعمله على المستوى الشخصي ثم على المستوى الجماعي، والإنسان لتصرفاته في هذه الحياة نتائج لأن تصرفات الإنسان إما أن تكون في دائرة الخير في دائرة العمل الصالح، وفي إطار العمل الحسن فلها نتائج جيدة، وإما أن تكون أعمالا سيئة، أعمالا في إطار الشر في إطار العمل السيء فلها بالتأكيد نتائجها السيئة من المستوى الفردي على الإنسان كإنسان، في نفسيته، في شعوره في وجدانه في سلوكياته في محيطه القريب، وفي محيطه الواسع، الإنسان في هذه الحياة له مسؤولية كبيرة وله دور مهم ودور كبير هو العنصر الأبرز في ميدان المسؤولية وفي موقع المسؤولية في هذه الحياة، ولهذا جاء الحديث في القرآن الكريم عن مستوى أهميته هذه المسؤولية في واقع الإنسان باعتبار ما مكنه الله فيه وما سخره له وما منحه من قدرات ومدارك وطاقات وإمكانات يجعل المسؤولية بالنسبة له على حد كبير وعلى نحو متميز باعتباره العنصر الأبرز في هذا العالم وفي موقع المسؤولية، الله سبحانه وتعالى قدم لنا صورة عن هذه المسؤولية وعن مستوى هذه المسؤولية بالنسبة لهذا الانسان عندما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، الإنسان باعتبارين، باعتبار ما منحه الله وهيأه له من دور، باعتبار الطاقات القدرات الإمكانات التي وهبها له في نفسه في وعيه في شعوره في إدراكه وما سخر له، (سخر لكم ما في السماوات والأرض جميعا منه)، الإنسان صمم في خلقه وهيئ في دوره في هذه الحياة لدور ارتبط فيه بما في هذا العالم، ما في السماوات والأرض، عنصرا ومخلوقا متميزا في هذا الجانب، بقية الكائنات والمخلوقات أدوارها محدودة وعلاقاتها في هذا العالم بما فيه وما أعده الله فيه وما هيأه فيه محدودة، وأدوارها محدودة ومستوى استفادتها محدودة لكن الإنسان في هذا العالم بين كل هذه المخلوقات علاقاته واسعة وانتفاعه وارتباطه في حياته من موقع الحاجة في موقع المسؤولية وفي طبيعة الدور الذي يلعبه في هذه الحياة يقوم به في هذه الحياة دور شامل وعلاقة واسعة جدا، فلذلك كانت هذه المسؤولية بمثابة أمانة لموقع ما هيأه الله له، ما أعده له وما سخره له وما مكنه فيه، أمانة كبيرة وحمل كبير ومسؤولية عظيمة، لها كل هذه الأهمية: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) فهذه المسؤولية هي بهذا المستوى، أنها مسؤولية لو حملت بها السماوات والأرض والجبال لما أطاقتها، ليست مهيأة لها، هيأ هذا الإنسان، ليست لا السماوات ولا الأرض ولا الجبال مهيأة لحملها، ولا تملك لا السماوات ولا الأرض ولا الجبال من مؤهلات لهذه المسؤولية بقدر ما أعد الله له الإنسان وهيأ له الإنسان للنهوض بهذه المسؤولية وهذا الدور، أنت أيها الإنسان خليفة الله في أرضه، خليفة الله في هذا العالم، لك مسؤولية كبيرة، تصرفاتك لها تأثيرات كبيرة في هذه الحياة على مستوى واقعك النفسي وعلى مستوى واقع الحياة من حولك، إن كانت أعمال خير وأعمالا صالحة وأعمالا مضبوطة بضابط التقوى لها نتائجها وأهميتها الكبيرة، ولها آثارها الإيجابية في هذه الحياة، وذلك العكس إن كانت أعمالا سيئة وتصرفات سيئة خارجة عن ضابط التقوى وعن العمل الصالح لها تأثيرات السيئة عليك وعلى الواقع من حولك، امتداداتها السلبية في الحياة ثم إلى الآخرة، إلى هذا يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير)، أعمال الإنسان لها نتائج، هذه سنة من سنن الله، هذا قانون إلهي، لا ينفك عن واقع الإنسان، التصرفات السيئة لها فورا ارتداد ونتائج سيئة ولها مصائب يجلبها الإنسان على نفسه على الناس من حوله، على الواقع من حوله على البيئة من حوله، تصل آثارها حتى إلى البشر حتى إلى كل ما في هذه الحياة في برها وفي بحرها، قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)، الفساد المقصود في هذه الآية هو ما نتحدث عنه بفساد البيئة، انعدام البركات، ونقص البركات نقص الخيرات، الاختلال في الواقع البيئي، الأمطار المشاكل التي يعاني منها البشر على مستوى المياه، على مستوى انتشار كثير من الأوبئة كثير من الأمراض، كثير من المشاكل في هذه الحياة، مشاكل معيشية في هذه الحياة، نقص كبير في هذه الحياة، تصرفات الإنسان لها انعكاس سلبي في الحياة بكلها، على مستوى البيئة اليوم ترتفع درجات الحرارة في الأرض في كل عام تزداد درجات الحرارة في هذه الحياة ويتوقع الكثير من الخبراء في العالم أنه إذا استمرت هذه المشكلة وتفاقمت سيكون لها في المستقبل آثار خطيرة جدا على البشر لدرجة أن تكون هناك كثير من الأوبئة كثير من الوفيات، كثير من المشاكل التي تعاني منها البشرية في الحياة، على المستوى الجغرافي على مستوى البحار في بقية الأرض، أن تمتد في مناطق معينة، تمتد البحار فتأخذ مساحة أخرى من الجغرافيا، ولها آثارها السلبية حتى في القطب الجنوبي والقطب الشمالي المتجمد يذوب الجليد ويكون لذلك آثار وانعكاسات كبيرة في واقع الحياة لان الانسان لا بد له في هذه الحياة أن يتقيد بالمسؤولية بالضوابط، حالة الانفلات وحالة الخروج من الضوابط وحالة التصرف غير المسؤول الذي لا تحكمه مبادئ ولا تحكمه قيم ولا تحكمه تعاليم إلهية له آثار سيئة وخطيرة جدا على البشر، والذي تعاني منه البشرية اليوم هو هذا، في الساحة البشرية اليوم عندما أتت قوى متمكنة على رأسها أمريكا وإسرائيل، قوى أخرى في الساحة العالمية، قوى متجبرة تمتلك الكثير من الإمكانات والقدرات ولها النفوذ في الساحة العالمية، ممتدة نفوذها ليشمل مختلف المناطق والبلدان ثم داخل البلدان عندما تُوجد الكثير من السياسات والتوجهات والتصرفات وتصبح الحالة العامة فيما فيها من مسؤوليات وأعمال ومواقف وتصرفات، تبتعد في كثير منها عن الانضباط للقيم للالتزام للمسؤولية، حينها نجد ما نجده اليوم من المشاكل المتفاقمة من الشرور من المساوئ من الأخطار من المعاناة، من انتشار للظلم إلى حد كبير، من تفاقم لمعاناة البشرية إلى حد كبير، الذي يصلح واقع البشرية هو هذا الانضباط وهذا الالتزام، ظهر الفساد في البر، البر في كثير مما نراه في البر، انتقاص كثير في الخيرات والبركات ومشاكل ومعاناة كثيرة، والبحر أيضا، كل هذا بما كسبت أيدي الناس، تصرفاتهم تأثيرات مباشرة عليهم في شؤون حياتهم، إذن نجد الأهمية الكبيرة للتقوى التي لها صلة مؤكدة بحياة الناس في كل شؤون حياتهم حتى على المستوى النفسي، كيف يتحول شعورك إلى شعور إيجابي، تشعر بالاطمئنان تشعر بالسكينة، تشعر بالشعور المطمئن، تحمل الاطمئنان في نفسك، تحتاج إلى التقوى، وللحديث صلة وبقية إن شاء الله نتحدث عنها في محاضرة قادمة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم في هذا الشهر الكريم لنكتسب فيه التقوى وتتعزز في أنفسنا التقوى التزاما وشعورا وعملا، إنه سميع الدعاء، والسلام عليكم وحمة الله وبركاته…