النخبة ومواقفها الرخوة!
عـبدالله علي صبري
شهرٌ ونصفُ الشهر من العُـدْوَان الهمجي يقابله صمودٌ شعبيٌّ يزدادُ صلابةً يوماً بعد يوم، فيما تسجِّلُ النخبةُ السياسية والثقافية والإعلامية إلا ما ندر- خذلاناً كبيراً للوطن ولقضيته العادلة في وجه العربدة السعوأَمريكية، وجرائم التحالف المتوالية بحق أَبْنَـاء الشعب الـيَـمَـني.
وإذا كان بعضُ الساسة والوجاهات الاجتماعية قد ارتبطوا بمصالحَ منظورة وغير منظورة مع الرياض، فإن النخبة المثقفة كانت على الدوام ضد التبعية الـيَـمَـنية للنظام السعودي. وطالما عبَّرت عن مواقفَ تدعو إلى استقلال وسيادة القرار الـيَـمَـني والخُرُوج من وصاية الجار الأكبر الذي عمِلَ لأكثر من نصف قرن على احتواء الـيَـمَـن والتدخل في تفاصيل شئونه الداخلية بمختلف تشعباتها.
لكن على الرغم من ذلك ما كان أحدٌ يتوقعُ أن تذهبَ السياسة السعودية في الـيَـمَـن إلى تنفيذ عُـدْوَان هستيري يأكل الأخضر واليابس، لمجرد أن بالـيَـمَـن قوةً سياسيةً أعلنت العزمَ على تحرير القرار الـيَـمَـني من الوصاية الخارجية.
كما كان مفاجئاً أن شريحةً كبيرة من النخبة الـيَـمَـنية، قد تماهت مع العُـدْوَان السعودي، وسارعت إلى استجلابه، بحثاً عن توازُن سياسي مع أَنْصَـار الله، متنكرةً لإرث من المواقف الوطنية والتقدُّمية التي سجَّلتها في وجه ما كان يُسَمَّى بقوى النفوذ التقليدية والرجعية.
لا شك أن الساسة ومواقفهم رهنٌ للمستجدات والمتغيرات، لكن هذا لا يعني القفزَ على الثوابت الوطنية، خَاصَّـةً من قبل النخبة المثقفة التي يقعُ على عاتقها مهمة نقد وتصويب مسار النشاط السياسي بعيداً عن الشطط الذي تدفع إليه قراءة آنية قصيرة النظر.
أما عندما يتعرَّضُ الوطنُ إلى تهديد أَوْ عُـدْوَانٍ خارجي، فإن خلافات الفرقاء فيما بينهم تغدو مسألةً ثانويةً، في مقابل وحدة الصف والتحام النخبة المثقفة مع الجماهير التي يسهل تعبئتها في مهمة انقاذ وافتداء الوطن.
لم يتأخرْ أَبْنَـاءُ الشعب الـيَـمَـني، فلبوا نداءَ الوطن وخرجوا نساءً ورجالاً إلى ساحات التظاهر والاعتصام، وواصلوا الصمود في مختلف الميادين، رغم الحصار الجائر، وما يكابدونه جراء تأزيم الحياة المعيشية بفعل العُـدْوَان والتداعيات الكارثية لما يسمى “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل”!
وبينما يمعن آلُ سعود في العُنف المتوحش بحق الـيَـمَـن، تمعن النخبةُ الرخوةُ في مجاراة العُـدْوَان، وتبحَثُ عن ذرائعَ وتبريراتٍ شتى، كي تشفع لها مواقفَها المتخاذلة المنفصلة عن نبض الجماهير والإرادة الشعبية.
وكما تسقط قوى التحالف إنْسَـانيا كُلَّ يوم، يتردى معها هذا النوعُ من النخبة الـيَـمَـنية، وتزدادُ الهُوة الفاصلة بينها وبين الشعب، فيغدو الحديثُ عن الوطن والوطنية بالنسبة لها لَغواً من الكلام!!.
يدخل في هذه النخبة بعضُ العلماء والخطباء الذين يعتلون المنابرَ الدينية، فيُحجِمون عن ذكر آل سعود وعُـدْوَانهم على الـيَـمَـن، في انفصام مفضوح بين دعوتهم جموعَ المصلين إلى تقوى الله، وسكوتهم على أولياء نعمتهم خشيةَ ضياع المعونة الشهرية.
حتماً ستنكسرُ العاصفةُ الهمجيةُ وتنتصرُ الإرادة الشعبية،.. حينها لن تكونَ النخبة هي النخبة!.